تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
133301 مشاهدة
الآيات الدالة على صفة العلم

...............................................................................


فإذا تأملنا مثلاً الآيات التي تدل على صفة العلم مثل قوله تعالى: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى في سورة طه أي: سر الإنسان ما أسره في نفسه ولم أو تكلم به خفية كما حكى الله عن يوسف قوله: فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ يعلم السر وأخفى من السر. أخفى من السر هو الشيء الذي يهم به ولكنه لم يحدث به نفسه جازماً.
فالله يعلم سرنا ويعلم جهرنا، ويعلم أخفى من ذلك، وكذلك قوله تعالى: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى إذا علم ما يخفى فإنه يعلم الجهر وهو الذي يتكلم به الإنسان، ويفصح به يعلم ذلك كله يعلم الجهر وما يخفى، ومثل قول الله تعالى: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ أي: كيف لا يعلم بخلقه وهو الخالق لهم؟
الجواب: بلى يعلم بما خلق خلقه كلهم لا يكون شيء من أحوالهم إلا بعلمه سبحانه وتعالى، ويكثر في القرآن قوله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الغيب هو الذي غاب عنا، والشهادة الذي نشاهده ونراه. عالم بذلك، وهكذا مثل قوله تعالى: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ قد علمها قبل أن توجد وكتبها.
وكذلك الآية التي مرت بنا في سورة لقمان قول لقمان لابنه: يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ حبة من خردل فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يعني: أو تكون في أية مكان يأت بها الله، لا يخفى عليه شيء.
كيف نستفيد من هذه الآيات صفة العلم، واسم العالم والعليم ، فإن الله تعالى بكل شيء عليم، وأنه موصوف بالعلم يعلم كل شيء يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن كيف يكون، ثم كيف نستفيد إذا عرفنا هذه الصفة التي هي صفة الله تعالى بأنه عليم وأنه عالم بكل شيء فائدتك أن تعلم أن الله تعالى يراك حيثما كنت.
تأمل قول الله تعالى: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ تأمل ذلك، ثم تستفيد أيضاً مراقبة الله. إذا علمت بأنه يراك وأنه يعلم خطرات قلبك، ويعلم فلتات لسانك، ويعلم ما تسره، وما تعلنه، ويعلم خفيّ أمرك وجليّه فإنك تراقب الله تعالى وتستحضر أنه رقيب على عباده وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا ؛ لذلك الذين يستحضرون دائماً أن ربهم سبحانه يعلم أحوالهم ويراهم، وأنه معهم بعلمه لا يخفى عليه شيء من أمرهم؛ لا يجرءون على معصيته، ولا يقربون من شيء من المخالفات التي حرمها عليهم، فإذا رأيت العاصي والمذنب المرتكب لشيء من المحرمات، والواقع في شيء من المنهيات، والتارك للطاعات علمت بأنه ضعيف الإيمان لم يكن مستحضراً دائمًا أن ربه يراه، وإذا استحضر ذلك لم يستحضر عظمة الله، وجلاله، وكبرياءه ولم يستحضر شدة بطشه ولا شدة عقوبته ولم يستحضر ثوابه وعقابه، ولم يستحضر قوله: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ ولم يستحضر قوله: وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ بل إنما علمه بهذه علم مجمل؛ لذلك ضعف إيمانه، وقوي شكه وانبعثت نفسه إلى المحرمات، ووقع في هذه المنهيات. هذا سبب من الأسباب.
نستحضر أيضاً مثل قول الله تعالى: نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ بعد أن ذكر الله جنس خلق الإنسان من الذي خلقك أيها الإنسان؟ يقول الله تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ما تمنون. أي: ما تقذفون في الأرحام من هذا المني الذي يخلق الله منه بشراً سويًّا هل أنتم الذين تخلقونه أم الله خالقه؟ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ لا شك أن الله تعالى هو الخالق لكل شيء.